- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخــطــبـة الأولــى :
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الأزمة المالية في العالم الغربي :
أيها الأخوة الكرام، بادئ ذي بدء ليس من الحكمة إطلاقاً أن تبتعد خطبة الجمعة عن الموضوعات الساخنة، ولكننا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرعانا نعاني من عدة موضوعات ساخنة، اخترت أحدها: الأزمة المالية في العالم الغربي، والتي انتشرت آثارها السلبية إلى كل أنحاء العالم، كل يوم خبر إفلاس أكبر شركة بل إن الخسارة التي تحققت خلال أربع وعشرين ساعة خمسة تريليون دولار، أي كل إنسان يملك رصيداً في البورصة خسر أربعين بالمئة من رأسماله، وإفلاسات الشركات تترا، والأسعار اضطربت، ماذا نستفيد من هذا الدرس البليغ الإلهي ؟
أيها الأخوة: أخ كريم استأجر صفحة بأكملها في أول صحيفة دانمركية، والدانمرك كما تعلمون البلد الذي تطاول على النبي عليه الصلاة والسلام وأكرمني الله بمقالات عدة تزيد عن سبع، كل أسبوع لي مقالة في الدانمرك باللغة الإنكليزية، أردت أن أبين للعالم الغربي هذه الأزمة المالية الخطيرة كيف هي من منظور الشريعة الإسلامية.
ابتكار النقود بديلاً عن المقايضة تسهيلاً وضبطاً للمبادلات بين أفراد البشر :
أيها الأخوة، إن من أعظم الأشياء التي قامت بها البشرية بابتكارها النقد، النقد كان بديلاً عن نظام المقايضة، المقايضة شيء غير عملي إطلاقاً، متعب جداً، فأصبحت النقود معياراً لقيم الأشياء، وأداءً للذمم التي في الأعناق، وتسهيلاً وضبطاً للمبادلات بين أفراد البشر، لكن من غير المنطقي أن يتم تبادل النقود في المجتمعات البشرية من دون أن تنتقل بوساطتها السلع والخدمات، النقد شيء، والسلع والخدمات شيء، طبعاً قراء هذه المقالة لا يعنيهم أن تكون في القرآن آية تحرم الربا، يعنيهم الدليل العلمي فقط، فلذلك ليس من المعقول أن تنتقل النقود دون أن تنتقل معها السلع والخدمات.
قيام النظام العالمي الاقتصادي بالمتاجرة بالنقود و السندات و ترك البضائع في أماكنها :
الذي حصل أن المتاجرة الآن بالنقود والأسهم والسندات فقط والبضائع في أمكنتها لا تتحرك، ولا تنتقل، ولا تجلب، ولا تباع، إلا عن طريق المقامرة بها، هذا النظام العالمي الاقتصادي.
لأن السلع والخدمات هي الأصل في اختراع النقود، فإذا تبادل الناس النقود من دون سلع وخدمات أصبحت النقود بحدِّ ذاتها سلعاً، مع أن الفرق جوهري بين السلع وبين النقود، الفرق الجوهري أن السلع ينتفع بها مباشرة، البيت تسكنه، الطعام تأكله، المركبة تركبها، أما إذا كنت جائعاً وليس هناك طعام وأنت في الصحراء ماذا تفعل بألف ليرة ؟ لا قيمة لها إطلاقاً، لذلك قصة فرنسية إنسان ركب ناقته وعليها طعامه وشرابه ليجتاز بها الصحراء، ضلّ الطريق، ونفذ طعامه وشرابه، لمح عن بعد واحة ماء، فهرع إليها، وفرح بها فرحاً عظيماً، لأنه ابتعد عن الموت عطشاً بعد أن شرب وارتوى حالت منه التفاتة فإذا كيس فظن به خبزاً وسرّ به سروراً عظيماً فلما فتح الكيس لم يرى فيه إلا اللآلئ فصاح قائلاً وا أسفاه هذه لآلئ، ماذا ينتفع بها في الصحراء وقد أوشك على الموت جوعاً ؟
السلع ينتفع بها مباشرة أما النقود واسطة.
تجارة الهامش :
أيها الأخوة، وحينما نتعامل مع النقود كسلع فنتاجر بها عندئذ نكون قد وقعنا في خطر مدمر ظهرت نتائجه في هذا الأسبوع، نظام عالمي قائم على الربا، وقائم على المتاجرة بالنقود، وقائم على بيع وهمي وشراء وهمي بما يسمى بتجارة الهامش، تقول أنا رأسمالي مئة ألف دولار، تدفع فقط عشرة تشتري بضاعة، الذي باعك إياها لا يملكها وأنت بعد أن اشتريتها لا تملكها، لكن يحسب لك الفرق إن ربحت سجل هذا في ربحك، وإن خسرت هذا في خسارتك، هذه اسمها تجارة الهامش، يتعامل معظم المسلمين بها، ولا يغيب عنكم أنه قبل عامين دخل في دولة إسلامية ثمانية وثلاثين ألف إنسان بأزمات قلبية، بسبب انهيار البورصة بثمانين مليار دولار في بلد إسلامي وعربي، وقبل ذلك في سوق المناخ في الخليج، وقبل ذلك في بنك الاعتماد، حتى إنني قرأت كتاباً لعالم اقتصادي كبير في ألمانيا يؤكد أن كل ثمن النفط الذي قبضناه من الغرب دفعناه خسارة في البورصة وليس هناك من متعظ، وليس هناك من معتبر، والآن الأزمة تتفاقم كل يوم.
انهيار الأسواق العالمية تأكيد لقوله تعالى : يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا :
هذا أحد الموضوعات الساخنة ولكن قبل أن أتابع هذا الموضوع هناك موضوع دقيق جداً وهو أننا معشر المسلمين نتمتع بحالة لا مثيل لها أنا أسميها الأمن العقدي، يعني كل ما سيجري يؤكد حقيقة الدين، الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار حرم الخمر هذا تأكيد لديننا، وانهيار الأسواق العالمية، والله لا نشمت، لكن انهيار الأسواق العالمية تأكيد لكلمتين في القرآن الكريم:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾
كلام دقيق، أحياناً هناك أمر أو نهي، العلاقة بين الأمر ونتائجه، وبين النهي ونتائجه علاقة علمية، لكن في بعض الأوامر العلاقة ليست علمية، يعني مستحيل أن تقرض مئة ألف وتأخذها مئة وعشرين ألفاً وتخسر، فالربا على الآلة الحاسبة يربح، لا يوجد قرض حسن بالعالم الغربي ولكن الذي يقع عكس ذلك، الذي يقع تأكيد لهذه الآية:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
وكأنني أرى أن العلاقة بين تحريم الربا وبين النتائج المترتبة عليه ليست علاقة علمية إطلاقاً ولكنها علاقة تكوينية بفعل الله:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
تداول الكتلة النقدية بين الناس إرادة الله عز وجل في محكم تنزيله :
أيها الأخوة، من مسلمات الاقتصاد الإسلامي أن المال قوام حياتنا، فإذا عصينا منهج خالقنا العظيم، الخبير، بأسباب سلامتنا وسعادتنا الذي أراد المال في محكم تنزيله أن يكون متداولاً بين الناس جميعاً طبعاً الآية الكريمة:
﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ ﴾
الكتلة النقدية أرادها الله أن تكون متداولة بين كل الخلق، الوضع الصحي، الوضع الطبيعي، الوضع السالم والآمن، أن تكون هذه الكتلة متداولة بين كل الخلق.
تحريم الربا و توعد آكلها بحرب من الله و رسوله :
لذلك حرم الشرع أشد التحريم وليس من آية في القرآن الكريم إلا هذه الآية تتوعد آكل الربا بحرب من الله ورسوله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279) ﴾
والحرب وقعت:
﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) ﴾
المال قوام الحياة الإنسانية في النظام المالي الإسلامي :
أيها الأخوة، النظام المالي الإسلامي يعد المال قوام الحياة الإنسانية قال تعالى:
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا (5) ﴾
تقوم حياتكم بها، يعني شاب يحصل على وظيفة مهما يكن هذا الدخل تحرك نحو الزواج، نحو استئجار بيت، نحو خطبة فتاة، فالمال قوام الحياة هذه حقيقة، ولا تصدق من يقول لك إنني أحتقر المال، كاذب، قال تعالى:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
أيها الأخوة، أول حقيقة المال قوام الحياة، وأن هذا المال الذي فيه قوام الحياة يجب أن يكون موزعاً ومتداولاً بين كل البشر لا أن يكون دولة بين الأغنياء منكم.
حقيقة النظام الإسلامي أن الأعمال تلد المال والأرباح توزع على أكبر شريحة :
أيها الأخوة، لقد حرم الله خالق السماوات والأرض في كل الشرائع السماوية في اليهودية والنصرانية والإسلام الربا، لأن حقيقة الربا أن المال يلد المال، بينما حقيقة النظام الإسلامي أن الأعمال تلد المال، يعني بعضكم من التجار، لا يوجد تاجر إلا يدفع أحياناً في الأعمِّ الأغلب نصف أرباحه مصاريف، فتحت محلاً تجارياً، استأجرت، انتفع صاحب المحل، زينته انتفع مهندس التزيين، اشتريت أثاثاً، عينت موظفاً، طبعت دفاتر، اقتنيت سيارة للعمل، أقل محل تجاري يوجد أربعمئة خمسمئة شخص ينتفعون من هذا المحل دون أن يكونوا موظفين فيه، مرة قرأت مقالة شركة رينو للسيارات في فرنسا يعمل لها مئتان وعشرون معملاً، حينما تلد الأعمال المال تتوزع الأرباح على أكبر شريحة، عندك أرض زرعتها، هناك حشرة تذهب إلى السوق تحتاج إلى مهندس زراعي يعين لك ما نوع هذه الحشرة شغّلت مهندساً، تحتاج إلى مرشة، تحتاج إلى دواء، حينما تفكر أن الأعمال تلد المال الأرباح توزع على أكبر شريحة، أما إذا ذهبت إلى البنك وأودعت فيه المال لم ينتفع أحد بل هو أقرض بالربا صار عبئاً على من اقترضه.
من نتائج الربا جمع الأموال في أيدٍ قليلة و حرمان الكثرة الكثيرة منها :
أيها الأخوة، شيء آخر أتمنى أن يكون واضحاً لكم أن الأموال إذا ولدت الأموال تجمعت الأموال في أيدٍ قليلة، وحرمت منها الكثرة الكثيرة، الحقيقة المؤلمة أن دول الشمال تملك تسعين بالمئة من ثروات الأرض، وأن دول الجنوب الفقيرة لا تملك إلا عشرة بالمئة من ثروات الأرض، دول الشمال هم عشرة بالمئة من سكان الأرض يملكون تسعين بالمئة من ثرواتها، يعني بلد تعرض لحرب اقترض أربعين مليار دولار، نصف دخله القومي سداد لا للقرض ولكن لفوائده، ولا يعلم إلا الله بعد مئة سنة ينتهي هذا القرض مع فوائده المركبة أم لا ؟
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
أيها الأخوة الكرام، لذلك تجد في دول الغرب ثراء يفوق حدّ الخيال، مهما وصفت لكم الثراء والبذخ والترف أكثر مما تتصورون، أي قد تعجبه لوحة زيتية ثمنها 50 مليون دولار يشتريها، هذا واقع المسلمين، أيها الأخوة، تجد في العالم الغربي الذي يعد عشرة بالمئة من سكان الأرض معه تسعون بالمئة من ثرواتها، تجد بذخاً، تجد ترفاً، مهما وصفت لكم الحقيقة أبلغ، وتجد في العالم الثالث الفقر، والقهر، والمجاعات، والأوبئة، والأمراض، ما لا سبيل إلى وصفه، هذه نتائج الربا، الربا يجمع الأموال في أيدٍ قليلة ويحرم منها الكثرة الكثيرة، وربما جاء دور هؤلاء المرابين ووقع السحر على الساحر.
المفارقة الحادة بين دول الشمال ودول الجنوب سبب الإرهاب في الأرض :
أيها الأخوة، بيني وبينكم وبهمس أقول لكم هذه المفارقة الحادة بين دول الشمال ودول الجنوب، بين الأغنياء وبين الفقراء، بين المترفين والمتعبين، هي سبب الإرهاب في الأرض
هذه الحقيقة الدقيقة، لأن النبي الكريم لما رجل دخل إلى بستان أنصاري، وأكل من دون إذنٍ، فشكاه الأنصاري إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وسيق إليه على أنه سارق، ماذا قال له النبي عليه الصلاة والسلام ؟ النبي عليه الصلاة والسلام عالج المشكلة من بدايتها قال له:
(( هلاّ علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً ))
سيدنا علي انتبه لهذه الناحية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(( وكاد الفقر أن يكون كفراً ))
وكاد الفقر أن يكون جريمة، وكاد الفقر أن يكون سرقة، وكاد الفقر أن يكون احتيالاً، وكاد الفقر أن يكون إرهاباً، هذا الإرهاب الذي نغص على المترفين عيشتهم، ورفاههم، وطمأنينتهم، وأقضّ مضاجعهم إنه فعل أيديهم هم سبب الإرهاب.
خروج النقود عن وظائفها الأساسية نتج عنه نقص الأرباح وتقليل الفاعليات الاقتصادية:
لذلك أيها الأخوة، إن خروج النقود عن وظائفها الأساسية كأداة لتبادل السلع والخدمات وجعل محلها للمتاجرة بها كما في الربا الذي حرمته الشرائع، ولاسيما الشريعة الإسلامية ومعناه تعطيل لتلك النقود وتضييق في المبادلات، وهذا ما ينتج عنه نقص الأرباح، وتقليل الفاعليات الاقتصادية، وزيادة البطالة، وانتشار المعاملات الوهمية، كل أسعار البورصة والسندات وهمية، شركة في الخليج سعر السهم خمسة وثلاثون درهماً اليوم خمسة دراهم، الذي عنده ألف سهم خسر أربعة أخماس مبلغه، في شركات أنا أتابع الأخبار بدقة تسعة آلاف نقطة في أمريكا، أضخم شركة نصف المبلغ ذهب، بيومين أو ثلاثة خمسة تريليون خسر المودعون في البنوك:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
يقول موريس لى عالم اقتصادي كبير حاز على جائزة نوبل في الاقتصاد قال: إن آلية الائتمان أي التمويل الربوي تؤدي بصورة جوهرية إلى خلق وسائل دفع وهمية، شخص اشترى بيتاً بستمئة ألف دولار، اليوم مئتي ألف ثمنه لم يعد يدفع أقساطاً، عندما لم يدفع أقساطاً باعوا البيت لا يهمهم الربح يهمهم أن يأخذوا المئتي ألف، باعوه بأرخص الأثمان، الناس بالطرقات، الآن خسروا أعمالهم، لأن أحد شركات السيارات مبيعاتها هبطت أربعين بالمئة إذاً يسرحون خمسة آلاف عامل، العامل لم يعد له دخل، بيته بالتقسيط الربوي لم يعد يدفع للبنك، البنك باع البيت، باعه بربع قيمته، هذه المشكلة الكبيرة، يقول الخبراء: لا يوجد مشكلة بعد الحرب العالمية الثانية تفوق هذه المشكلة، وآثارها وصلت إلى كل البلاد.
وزير اقتصاد اليابان قال: نحن موقفنا جيد جداً اقتصادنا متين، ثاني يوم البورصة نزلت خمسة عشر بالمئة في اليابان هذه الدولة العملاقة:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
أنت معك أمن عقدي، معك آيتان في القرآن الكريم، كل ما يجري تأكيد لهاتين الآيتين، لذلك أحد أدلة أن هذا القرآن كلام الله وقوع الوعد والوعيد.
وقوع الوعد والوعيد من أدلة كلام الله عز وجل :
أيها الأخوة، الحقيقة هذه الأزمة سببت خسارات فلكية، خمسة تريليون، تريليون يعني مليون مليون، أي اثني عشر صفراً، خمسة تريليون دولار هي أربعون بالمئة من جميع الأموال المودعة في البنوك الربوية:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
وقوع الوعد والوعيد من أدلة كلام الله عز وجل.
انتشار أعمال العنف و الاحتيال نتيجة وجود بنوك تؤدي فوائد ربوية عالية :
أيها الأخوة، هناك حقيقة دقيقة، إذا كان هناك مصرفاً يعطي فائدة ربوية عشرة بالمئة، عشرة بالمئة أنت آمن بلا جهد، بلا خسارة، بلا ضرائب، بلا تعيين، موظف يطالبك بالتأمينات، بلا دفع ضريبة تسهم في حلّ مشكلة الأمة، ليس له علاقة إطلاقاً بالأمطار، عنده فائدة ثابتة
إذا في بنك يعطي فائدة ثابتة محققة دائمة من دون جهد، من دون مخاطرة، من دون مغامرة، من دون قلق، من دون مالية، من دون تموين، من دون تأمينات اجتماعية، من دون موظفي الطوابع، من دون أي قلق، من دون تعيين موظف، من دون دفع خسارة، لا يوجد إنسان يطرح رأسماله في العمل التجاري والصناعي والزراعي بأقل من أربعين بالمئة أرباح، ما دام هناك عشرة من دون جهد، من دون مغامرة، إذاً آلية الربا ترفع الأسعار، مادام في مصارف ربوية الأسعار مرتفعة، لأن الواحد لا يقبل أن يضع خمسين مليوناً بمشروع يربح بالمئة عشرة يضعه في البنك، بمنطق إنسان مادي غير مسلم، طالما يوظف أربعين خمسين مليوناً لا يضعهم بعمل تجاري هناك احتمال أن يخسر، أساساً لماذا التجارة حلال ؟ لأن فيها ربح وخسارة، فيها قرار مغامرة، التاجر يغامر يربح أحياناً أو يخسر، فلذلك لمجرد وجود بنوك تؤدي فوائد ربوية فالأسعار مرتفعة، الآن عندنا موشور، الموشور عبارة عن دوائر متناقصة فكلما ارتفع السعر الدائرة المنتفعة من هذه السلعة ضاقت، يعني مثل بين أيديكم بأحد السنوات الكرز الكيلو بخمس ليرات لا أعتقد أنه وجد بيت دون أن يشتري الكرز، إذا بمئة ليرة عشر البيوت تشتري كرزاً، كلما السعر ارتفع وهذه الظاهرة الخطيرة، كل شيء موجود بالعالم الرأسمالي لكن كل شيء مرتفع سعره، فوق طاقة الإنسان، الآن الحياة لمن ؟ للأقوياء والأغنياء فقط، هذا الإنفاق الذي فيه ترف فوق طاقة الإنسان، لذلك في حرمان، في حقد، في أعمال عنف، في دعارة.
إنسانة درست الدعارة في بعض البلاد الإسلامية تفاجئت 95% من المومسات لسن فاسدات ولكنهن فقيرات، وهذه وصمة عار تمس الأمة كلها، كاد الفقر أن يكون دعارة، احتيالاً، قبضوا على إنسان يبيع لحم حمير فوضعوه بالسجن قام أحد السجناء ضربه ضرباً مبرح، لما تضربه ؟ قال أنا آكل عنده لحم، فقر، احتيال، دابة ماتت يصنعون منها صفيحة يبيعونها، فقر وقلة دين.
من جمع أمواله باسم المضاربة و أكلها على الناس فقد ضعضع ثقة الناس بالإسلام :
أيها الأخوة الكرام، الآن انتبهوا إلى الخلل في الربا، قال: من المُسَلّم به أن مصلحة الأنشطة الاقتصادية المختلفة من زراعة وصناعة وتجارة أن يكون المشتركون فيها لهم رغبات، وأهداف، ومصالح متآلفة ومتحدة تتجه إلى ترقية هذه الأنشطة، أي تتجه إلى الربح، فما لم يكن الربح موزعاً بين كل النشاطات صار هناك ربا، البنك لا يهمه ربحك يهمه سيحقق ربحاً ثابتاً ربحت أو خسرت أو فلست، لا يهمه، وأنت لا يهمك أن تربح يهمك تخلص من الدين مع الفائدة، أما بالمضاربة والله أيها الأخوة ما من شيء حرمه الله إلا جعل له قناة نظيفة تسري خلاله، المضاربة، أي شريك، المال معك إذا لم تربح ليس له عندك شيئاً، إذا خسرت يعاونك بالخسارة، وإذا ربحت يأخذ جزءاً من الربح، والنبي الكريم كان أول مضارب في الإسلام، لكن المشكلة في بلادنا أن الذين جمعوا الأموال باسم المضاربة، وأكلوها على الناس بالمليارات هؤلاء ضعضعوا الثقة بالمنهج الإسلامي، والله أقول ولا أبالغ هؤلاء بحق الأمة مجرمون، القناة النظيفة الوحيدة التي تربح بها المال بأحل من حليب أمك أفسدوها، وجعلوها قنص واحتيال، صار البنك أكثر ثقة من المتاجرة بأموال الناس.
ضعف الإيمان والفقر وراء ما يعاني العالم كله :
أيها الأخوة، الآن عندما يمول المصرف مشروعاً ويأخذ ثمانية بالمئة فائدة قد يكون حقه أربعين بالمئة، المصرف ظلم، و عندما يخسر صاحب المشروع ويصر البنك على أخذ الفائدة أيضاً ظلم صاحب المشروع، بالربا هناك شخص مظلوم إما البنك أو المنتفع، جاء الإسلام لئلا يكون ظلم بين البشر، يستغرب الإنسان:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279) ﴾
أنت بالخمر تجد إنساناً مخموراً في الطريق، بالسرقة مودع بالسجن، هذه المعاصي واضحة لكن البنك بناء فخم مكيف، فيه استقبال، فيه كومبيوترات، شيء مرتب أين الحرمة ؟ الحرمة أن التعامل الربوي يدمر الأمة، حينما يلد المال المال تتجمع الأموال في أيدٍ قليلة، وتحرم منها الكثرة الكثيرة، والفارق الفلكي بين الدخول وراء الإرهاب، وراء السرقة، وراء الغش، وراء الاحتيال، في الخبز هناك مادة تعين على نضوجه الكيلو ثمنه خمسة آلاف، هناك مادة مسرطنة ثمن الكيلو 50 ليرة حتى يربح يضع مادة مسرطنة، ضعف الإيمان والفقر وراء ما يعاني العالم كله، سبحان الله لحكمة بالغة بالغة بلدنا الطيب الناس ما عندهم قناعة بالبورصات، كل شخص ماله عنده، تجارة، بضاعة، يعني أقل الدول خسارة هي الدول الإسلامية، لأن موضوع البورصة ما دخل في حسابهم.
التقرير الذي صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي حول النظام المصرفي الإسلامي :
أيها الأخوة، اسمعوا هذا التقرير، صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي قريباً بالانترنيت تقرير يتناول النظام المصرفي الإسلامي الذي يعيش ازدهاراً واضحاً، وقد أكد هذا التقرير أن النظام المصرفي الإسلامي مربح للجميع مسلمين وغير المسلمين، ويمكن تطبيقه في جميع البلاد، فضلاً عن أنه يلبي الحاجات الأساسية عند الإنسان، لذلك يحث التقرير على فتح مصارف إسلامية في فرنسا، أو إقامة نظم تشريعية وضريبية إسلامية على التراب الفرنسي تراعى فيها قواعد الشريعة الإسلامية في المجال المالي، ويعني النظام المصرفي الإسلامي بخاصة والمالي بعامة.
الآن دققوا: أن يقوم هذا النظام الإسلامي على خمسة مبادئ، لازلنا في التقرير الفرنسي، المبدأ الأول: تحريم الربا وتحريم بيع الغرر، اليانصيب مثلاً، وتحريم الميسر، وتحريم التعامل في الأمور المحرمة شرعاً كالخمر والزنا، وتقاسم الربح والخسارة، لا يوجد فائدة ثابتة، البنك الإسلامي يمول لكن له نصيب من الربح ليس فائدة ثابتة، وتحريم التورق إلا بشروط، هذا التقرير صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي يحث المسؤولين على فتح مصارف إسلامية، لأن هذه المصارف يربح منها الجميع مسلمين وغير مسلمين، ويمكن تطبيقه في جميع البلاد، فضلاً عن كونه يلبي حاجات أساسية عند الإنسان، لذلك يحث التقرير على فتح مصارف إسلامية في فرنسا، أو إقامة نظم تشريعية وضريبية إسلامية على التراب الفرنسي تراعى فيها قواعد الشريعة الإسلامية في المجال المالي ويعني النظام المصرفي الإسلامي بخاصة والنظام المالي بعامة أنه يقوم على خمسة مبادئ، وهي تحريم الربا وتحريم بيع الغرر، وتحريم الميسر، وتحريم التعامل في الأمور المحرمة شرعاً كالخمر والزنا، وتقاسم الربح والخسارة من دون فائدة ثابتة، وتحريم التورق إلا بشروط.
اكتشاف العالم الغربي مع مرور الزمن أن الصواب في الشريعة الإسلامية :
أيها الأخوة الكرام، مع تقدم الزمان يكتشف العالم الغير المؤمن أن الصواب في الشريعة الإسلامية، قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي ماذا حرم ؟ حرم الخمر تحريماً قطعياً، معسكر يؤمن بأنه لا إله لكن حرم الخمر، والآن الدعوة بأعلى صوت إلى إلغاء النظام العالمي القائم على الربا، وبعض الدول الرأسمالية أممت المصارف كلها، يعني شيء عجيب الأخبار صاعقة، هذا النظام الربوي القائم على الاستغلال تداعى.
أيها الأخوة، من سمات الموازنات العامة في الدول النامية وبخاصة العربية والإسلامية أنها تقوم على أهرامات هائلة من الديون، والفضل لله عز وجل هذا البلد الطيب أيضاً هذه النقطة انتبهنا لها من وقت طويل ديوننا قليلة جداً، أما غير دول كابوس لا ينتهي بخمسين سنة قادمة، هناك دولة نصف الدخل القومي سداد للفوائد، القرض أربعون ملياراً.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخــطــبـة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين، و على آل بيته الطيبين الطاهرين.
عناية مجامع الفقه الإسلامية بالموضوعات المعاصرة :
أيها الأخوة الآن مجامع الفقه الإسلامية من فضل الله على أعلى مستوى من الاجتهاد، هناك مجمعان كبيران المجمع الفقهي الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي، تقريباً بكل مجمع في سبعين ثمانين عالماً كبيراً يعالجون قضية معاصرة، أحياناً تفتح كتاب فقه قديم يقول لك اشترى جارية وباعها، الآن لا يوجد جواري تباع، الآن هناك تأمين ما حكمه ؟ هناك مرابحة، هناك بنك إسلامي، فهذه المجامع تعنى بالموضوعات المعاصرة، أكثر من أربعين قراراً وعندي هذه القرارات تحرم التعامل بالبورصة، حالات قليلة جداً مسموح بها إذا كان في تقابض وأخذ البضاعة على رحلك، أما كله بيع وهمي، خمسون طناً من البن لا يزحزحون من مكانهم يباعون مليون مرة، ويأخذ الذي اشترى وما امتلك يأخذ الفرق فقط، أو يدفع الخسارة هذا اسمه تجارة الهامش، فهناك قرارات إن شاء الله في خطبة قادمة أقرأ لكم بعض هذه القرارات، وأنا قرأتها قبل سنة على المنبر، الأمر واضح تماماً هناك تحريم مجمع عليه من كل العلماء في المجامع الفقهية التعامل بالبورصة، واحد بالمئة منه حلال، إذا أنت اشتريت بضاعة ودفعت الثمن وأخذت البضاعة، هذه حالة ما فيها شيء أما الباقي كله ليس كذلك هناك فوائد، لا يوجد تملك، هناك بيع وهمي، هناك تجارة الهامش، فلذلك إن شاء الله في الأسبوع القادم يمكن أن أقرأ لكم بعض هذه القرارات لتقتنعوا.
المسلمون الذين أخذوا من الغرب ثمن النفط استرده الغرب بالبورصة، ثمانية وثلاثون ألف إنسان أصابتهم أزمات قلبية دخلوا بها إلى المستشفيات قبل عام بسبب انهيار البورصة الخسارة كانت ثمانين مليار دولار.
العلاقة بين الربا وبين نتائجه ليست علاقة علمية بل علاقة تكوينية :
يا أيها الأخوة هذا القرآن الكريم أحد أدلة أنه كلام الله، وقوع الوعد والوعيد، والعلاقة بين الربا وبين نتائجه بصراحة ليست علاقة علمية علاقة تكوينية:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾
والله أعرف شخصاً عنده محل تجاري في عاصمة عربية بأرقى الشوارع التجارية ثلاث واجهات بثلاث واجهات، ومحل، ومكتب استيراد، ومستودع، وبيوت، قرض ربوي اضطر أن يبيع كل هذه المحلات مع بيته:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾
هذه قاعدة إما أن تصدق كلام الله عز وجل، أو تفضل هذه الأزمات، الذي ليس له علاقة بالبورصة ليس له علاقة بالموضوع كله، الإنسان مثل مسرح في مشاهدين وفي خشبة مسرح، إذا كنت مستقيماً أنت لك مكان مع المشاهدين ترى على هذه الخشبة ما هبّ ودبّ، فإن لم تكن مستقيماً لابدّ من أن تجر على خشبة المسرح وتغدو أنت قصة، الآن هناك أزمات قلبية، انهيار عصبي، اختلال توازن، جنان، ليس معقول يخسر مئة مليون بيوم واحد، قبل يوم يستطيع أن يبيعهم ويأخذ مئة مليون يضعهم في اسمه ذهبوا الآن، مثلاً الحديد الطن بثمانية وستين ألفاً الآن سعره العالمي عشرون ألفاً، الذي اشترى حديداً بثمانية وستين ليتاجر به ماذا صار به الآن ؟ خسر أربعة أخماس دخله، وارتفاع السعر ليس طبيعياً، ارتفاع مفتعل، متى يرتفع السعر عشرة أضعاف ؟ إذا الطلب عليه ازداد عشر مرات، وإذا إنتاجه قلّ عشر مرات، أما لا الإنتاج نقص ولا الطلب زاد، الأسعار الآن قبل الأزمة عشرة أضعاف، المواد الغذائية صنعوا وقود الطائرات من المواد الغذائية، فول الصويا للفقير صنع من هذه المواد الغذائية الأساسية للفقراء وقود الطائرات ترف ما بعده ترف، الآن دفعوا الثمن.
أعود وأقول لكم إن أعظم ما يملكه المؤمن الأمن العقدي، أي كل شيء يحصل في الأرض يؤكد له صحة دينه، وصحة قرآنه، ووقوع الوعيد والوعيد أكبر الأدلة أن هذا القرآن كلام الله.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.